
وتعد نقوش لوحة «سمنة» الثانية
التي سجلت لنا حملة السنة السادسة عشرة
من أهم النقوش التي وصلت إلينا من هذا العصر ،
ولا تنحصر أهميتها في أنها حددت لنا
«التخوم المصرية في هذا العهد من جهة بلاد النوبة،
بل لأن جملها المنمقة تذكرنا بالخطب التي ذكرها «ديدور»،
والذي يقول عنها إنها كتبت على لوحة
نقشها «سوزستريس» الخرافي يقصد سنوسرت الثالث
تذكارًا لفتوحه،
وتعد هذه النقوش بحق من أهم ما تركه لنا قدماء المصريين في كل عصورهم،
إذ يتمثل لنا فيها قوة إرادة هذا الفرعون
وشدة حرصه على مجد بلاده،
وإذكاؤه نار الغيرة في نفوس أخلافه للمحافظة على فتوحاته،
والدفاع عن حدودها بالنفس والنفيس،
وهذه ترجمتها حرفيًّا لتكون
مثلًا حيًّا لأبناء هذا الجيل من المصريين في وقت أحوج ما تكون فيه البلاد لمثل هذه العظات الخالدة.
وقد وجد على اللوحة ، يطلق عليها لوحة الحدود ،
تسجل أن الملك سنوسرت الثالث أصدر مرسوما فى العام الثامن
من حكمه يمنع أهالي النوبة جنوبي منطقة سمنة
أن يتخطوها شمالا إلا إذا أتوا للتجارة أو بسبب عمل مشروع .
وكان على الدوريات المقيمة هناك الإبلاغ عن أي تحركات مشبوهة للقبائل فى هذه المنطقة.
نص لوحة الحدود الخالدة:
في السنة السادسة عشرة في الشهر الثالث من الفصل الثاني، عندما مد جلالته الحدود لغاية «حح» (سمنة)،
«لقد جعلت تخوم بلادي أبعد مما وصل إليه أجدادي،
ولقد زِدت في مساحة بلادي على ما ورثته،
وإني ملك يقول وينفذ،
وما يختلج في صدري تفعله يدي،
وإني طموح إلى السيطرة،
وقوي لأحرز الفوز،
ولست بالرجل الذي يرضي لبه بالتقاعس عندما يعتدَى عليه،
أهاجم من يهاجمني حسب ما تقتضيه الأحوال،
وإن الرجل الذي يركن إلى الدعة بعد الهجوم عليه يقوِّي قلب العدوِّ،
والشجاعة هي مضاء العزيمة،
والجبن هو التخاذل، وإن من يرتد وهو على الحدود جبان حقًّا،
ولما كان الأسود يحكم بكلمة تخرج من الفم،
فإن الجواب الحاسم يردعه،
وعندما يكون الإنسان ماضي العزيمة في وجهه «الأسود»
فإنه يولي مدبرًا؛
أما إذا تخاذل أمامه فإنه يأخذ في مهاجمته.
على أن السود ليسوا بقوم أشداء ولكنهم فقراء كسيرو القلب،
ولقد رآهم جلالتي،
وإني لست بخاطئ في تقديري،
ولقد أسرت نساءهم، وسُقت رعاياهم، واقتحمت آبارهم، وذبحت ثيرانهم،
وحصدت زرعهم؛ وأشعلت النار فيما تبقى منها.
وبحياتي وحياة والدي لم أنطق إلا صدقًا، دون أن تخرج من فمي فرية.
وكل ولد أنجبه ويحافظ على هذه الحدود التي وصل إليها جلالتي يكون ابني، وولد جلالتي، وألحِقه بنسبي،
وإن من يحافظ على تخوم الذي أنجبه، يكون منتقمًا لأبيه حقًّا، أما من يتخلى عنها، ولا يحارب دفاعًا عن سلامتها فليس ابني ولم يولد من ظهري، والآن تأمل فإن جلالتي قد أمر بإقامة تمثال عند هذه الحدود التي وصل إليها جلالتي حتى تنبعث فيكم الشجاعة من أجلها، وتحاربون للمحافظة عليها».
